Friday, July 18, 2008

نصف ساعة


مع تقدم الليل، تتحرر أشباحك من مخابئها لتحتل كل المساحة من حولك. تصرخ غير مرحبة بوجودك. ترتسم على وجهك أمارات استياء. غريب عليك ذلك الشعور؛ ليس كأنك لم تعرفه قبلاً بأي حال، إنما لأنك هذه المرة قد سئمت المقاومة..


تتربع على الأرض مزاولاً هوايتك المفضلة في اللامبالاة. تتباطأ سرعة المروحة ثم يخبو صوتها. يتلاشى ضجيج أجهزة التكييف بالخارج. تغرق في صمت مكثّف. تتسلل على مهل نحو العمق. تحاول التركيز على تلك النقطة في المركز. يقاطعك رنين الهاتف. يتقطب جبينك. أعرف أنك لن ترد. لم تحب يومًا الرد على الهاتف. تنصت مبتسمًا إلى صوت أختك في الغرفة المجاورة:


"معلهش.. هو نايم دلوقتي"


تنهمك في ملاحقة دقات الساعة. لا تشتتك أصوات التلفاز، صفق الأبواب، صخب الجيران. يرتفع صدرك ويهبط وكأنك في سبق. تتعرق كثيرًا. تمل سريعًا. لا تغير جلستك. تقترب أمك في حذر لئلا تقاطعك. تتصنع أنك منشغل. قبل أن تنصرف تطلب منها أن تشعل الشمعدان على المكتب وبعض أعواد البخور. تثني ركبتيك تحتك. تشبك كفيك وترفعهما لأعلى. تنحني. تلامس جبهتك الأرض بينما ذراعاك ما تزالان مفرودتين أمامك. تتخيل ذلك اللهب البرتقالي الضئيل وظلاله المتراقصة على الحائط..


عبر النافذة النصف مفتوحة، تتجاوز نسمة هواء رطبة الستائر القطنية. تسود الظلمة. بالكاد تسمع دقات الساعة. ما تزال تلك الظلال تتراقص على الحائط. في مخيلتك تنضم إليها أشباحك لتشاركها رقصة غجرية. تعاودك حالة القلق القديمة. تهم بالكلام. يمتلئ جوفك بكلمات كثيرة. لا تنطق بحرف. تفكر في حلول بديلة – ليتك ما تخلصت من دفاترك بالأمس. تتنهد في حسرة. تسقط منك دمعة كورقة خريفية لا قيمة لها. يزداد سمك طبقة الفتور التي تكسو روحك. تحتضر الكلمات بداخلك. تترك نفسك؛ فتبتلعك الظلمة كليًا.


لا تسمع الآن سوى همهمات أكثرها غير مفهوم.

No comments: