Saturday, January 10, 2015

محكيات ديسمبر



(ديسمبر منذ بدأ العد..)
لطالما كانت هذه الفترة من ديسمبر الأحب إلى قلبي في العام كله؛ مزيج فريد من نشوة الوصول والاحتفاء بالإنجاز مع بهجة وشوك البداية الجديدة في دفتر اليوميات.. أدندن بأغنية العام الجديد وصوت شيرين وفضل شاكر العذب ينساب في خيالي بينما أسرد أكثر ذكريات العام قربًا لقلبي وأكثرها حزنًا، ثم أشرد مفكرًا في أحلام العام الجديد..

كنت أجول محطات الراديو وأجواء الاحتفالات في التليفزيون مفترشًا أرض غرفة المعيشة محاطًا بقصاصات كتاباتي ودفتر اليوميات وأغلفة شيوكولاتة احتفظت بها خلال العام لجمال ألوانها. أصلّي صلاة الليل وقلبي يرقص لهفة بدعائي بكل حلم جديد. كانت كل ليلة من أواخر ديسمبر حتى رأس السنة عيدًا سعيدًا، لم ينتقص من سعادته سوى عدم اكتمال الصورة التي رسمتها له..

(عشيّة رأس السنة - 2013)
الجو بارد ومنعش لكنه لم يكن كما تخيلته دومًا. لم تثلج في القاهرة من قبل. كنا مرهقين بعد ساعات طويلة قضيناها مشيًا. تأخر الوقت على موعد عودتنا إلى البيت لكننا لم نكترث. تجنبنا تجمعات المحتفلين على النواصي وتسللنا إلى شارعها الهاديء. دقائق على انتصاف الليل. صدى ضحكات الشباب في الشوارع المجاورة يملأ الهواء حولنا. تلمع عيني في انبهار بينما أحدّق في لمعة البهجة الخالصة في عينيها البنيتين. ينصهر كفها الصغير في كفي. نقف على الناصية متلاصقين. تتعلق عينانا بالساعة في شاشة الموبايل. عشرة. تسعة. ثمانية. سبعة. تدوي الصفافير في شارع مجاور وتنطلق الألعاب النارية! "أكيد دة فرق التوقيت". تضحك. تقفز في توتر. ثلاثة. اثنين. تقبض على يدي بقوة. ألتفت لأواجهها. تبتسم لي فيتوقف الوقت..

(ديسمبرات تالية)
لم أعد أجلس إلى مكتبي كفايةً منذ تخرجي. كم مضى من الوقت يا ترى؟ أفتقد دفاتر يومياتي وشغفًا لم تفلح يومًا تطبيقات التدوين على الآيباد في منحي إياه. في غرفة غير الغرفة، ومكان غير المكان، أهرب من برد غرفة المعيشة إلى غرفة نومي باردة الألوان. أوصد الباب خلفي، أشغل التكييف لأدفيء الغرفة. أحدّق في الأزرق التركوازي على حوائط غرفتي لعله يبعث في روحي شيئًا من الهدوء. دون جدوى. أتوضأ ثم أعود. أفترش الأرض. لا أبكي. أصلي. لا أجد دعاءً. أصمت. أطيل الصمت. ألملم خيبتي وأسلّم على ربّي. لا أطوي السجادة...

على فراشي أتمدد محدقًا في السقف. الغرفة مظلمة إلا من شمعتين بعطر التفاح والقرفة في قلب مشكاتين معلقتين إلى الحائط. الظلال تدور. تمتزج زرقة الحائط بالرمادي فتنقلب ألوان الحجرة لدرجات مقيتة باهتة. رأسي يدور بسرعة. يزداد انقباض صدري. لماذا ما زلت لا أبكي. يا رب. لا دعاء يخرج. لا جدوى. "أنا استسلمت.."..

لا أدري كم من الوقت مضى لكنني تمنّيت أن يكون كثيرًا. ربما يكون الليل قد انتصف بالفعل، وربما لا. الآن هدأ كل شيء إلا انقباض صدري. الهواء يدخل ويخرج بلا طعم. أنصت لعلي أسمع ضجيج الأطفال في الجوار فلا أسمع. إنها التاسعة. ما تزال ثلاثة ساعات باقيات على العام الجديد. لست مهتمًا. سأنام الآن وفي الصباح حين أفتح الشرفة لن يكون هناك من حزن الليلة سوى سواد خفيف تحت عيني..

عزيزتي أنتِ، لم أكن أدرك أن اليوم وبعد عامين ستظل ذكرى تلك الأيام من ديسمبر التي كنّا فيها معًا لا يفوقها شيء بهجةً..

No comments: